سورة النساء - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} قال: واجب لهم أن يطيعهم من شاء الله لا يطيعهم أحد إلا بإذن الله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} الآية قال: هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: الاستغفار على نحوين: أحدهما في القول، والآخر في العمل. فأما استغفار القول فإن الله يقول {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول} وأما استغفار العمل فإن الله يقول {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [ الأنفال: 33] فعنى بذلك أن يعملوا عمل الغفران، ولقد علمت أن أناساً سيدخلون النار وهم يستغفرون الله بألسنتهم، ممن يدعي بالإسلام ومن سائر الملل.


{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}
أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي من طريق الزهري. أن عروة بن الزبير حدث عن الزبير بن العوّام: أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل. فقال الأنصاري: سرح الماء يمر. فأبى عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله، إن كان ابن عمتك؟! فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك»واسترعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري، فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري استرعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم...} الآية.
وأخرج الحميدي في مسنده وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الكبير عن أم سلمة قالت: خاصم الزبير رجلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى للزبير، فقال الرجل: إنما قضى له لأنه ابن عمته فأنزل الله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك...} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله: {فلا وربك لا يؤمنون...} الآية. قال: أنزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الأعلى ثم الأسفل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {فلا وربك لا يؤمنون} قال: نزلت في اليهود.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {فلا وربك...} الآية. قال: هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي. مثله إلا أنه قال: إلى الكاهن.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: «اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى بينهما فقال الذي قضي عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، انطلقا إلى عمر. فلما أتيا عمر قال الرجل: يا ابن الخطاب قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، فقال: ردنا إلى عمر، فردنا إليك. فقال: أكذلك؟! قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليهما مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فاراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قتل عمر- والله- صاحبي، ولولا أني أعجزته لقتلني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمنين؟! فأنزل الله: {فلا وربك لا يؤمنون...} الآية. فهدر دم ذلك الرجل، وبرأ عمر من قتله، فكره الله أن يسن ذلك بعد فقال: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} [ النساء: 66] إلى قوله: {وأشد تثبيتاً}».
وأخرج الحافظ دحيم في تفسيره عن عتبة بن ضمرة عن أبيه «أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى للمحق على المبطل. فقال المقضي عليه: لا أرضى. فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن تذهب إلى أبي بكر الصديق. فذهبا إليه فقال: أنتما على ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يرضى قال: نأتي عمر. فأتياه فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله، وأنزل الله: {فلا وربك...} الآية».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن مكحول قال: «كان بين رجل من المنافقين ورجل من المسلمين منازعة في شيء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى على المنافق، فانطلقا إلى أبي بكر فقال: ما كنت لأقضي بين من يرغب عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فانطلقا إلى عمر، فقصَّا عليه فقال عمر: لا تعجلا حتى أخرج إليكما، فدخل فاشتمل على السيف وخرج، فقتل المنافق ثم قال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء رسول الله. فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن عمر قد قتل الرجل وفرق الله بين الحق والباطل على لسان عمر. فسمي الفاروق».
وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {فيما شجر بينهم} قال: فيما أشكل عليهم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهيراً وهو يقول:
متى تشتجر قوم تقل سراتهم *** هم بيننا فهم رضا وهو عدل
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {حرجاً} قال: شكاً.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر في قوله: {حرجاً} قال: إثماً.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: لما نزلت هذه الآية قال الرجل الذي خاصم الزبير وكان من الأنصار: سلمت.
وأخرج ابن المنذر عن أبي سعيد الخدري: أنه نازع الأنصار في الماء من الماء فقال لهم: أرأيت لو أني علمت أن ما تقولون كما تقولون واغتسل أنا؟ فقالوا له: لا والله حتى لا يكون في صدرك حرج مما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.


{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} هم يهود، يعني والعرب كما أمر أصحاب موسى عليه السلام أن يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سفيان في قوله: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وفيه أيضاً {وآتوا حقه يوم حصاده}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا، أن اقتلوا أنفسكم، فقتلنا أنفسنا فقال ثابت: والله لو كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم، لقتلنا أنفسنا. فأنزل الله في هذا {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً}.
وأخرج ابن جرير وابن إسحاق السبيعي قال: لما نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم...} الآية. قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن من أمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي».
وأخرج ابن المنذر من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} قال ناس من الأنصار: والله لو كتبه الله علينا لقبلنا، الحمد لله الذي عافانا، ثم الحمد لله الذي عافانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أثبت في قلوب رجال من الأنصار من الجبال الرواسي».
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} قال أناس من الصحابة: لو فعل ربنا... فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر بن عبدالله بن الزبير قال: نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم...} قال أبو بكر: يا رسول الله- والله- لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت. «قال: صدقت يا أبا بكر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن شريح بن عبيد قال: «لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم} أشار بيده إلى عبدالله بن رواحة فقال: لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في الآية قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو نزلت كان ابن أم عبد منهم».
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيان في الآية قال: كان عبد الله بن مسعود من القليل الذي يقتل نفسه.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر: يعني من أولئك القليل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وأشد تثبيتاً} قال: تصديقاً.

12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19